الجدة ... بقلم الكاتبة المبدعة الأستاذة / عفاف علي
الجدة 😂
جلست العجوز تحت شجرة عملاقة في حديقة بيتها، وحولها أحفادها الصغار، كل طفل يحمل في يده هاتفًا، وبعضهم صامت لا يتحدث، قالت: تعالوا حولي سأروي لكم قصة، نظر أصغرهم لها بعيونه الملونة، ثم قال: قصة من يا تيته، ضحكت وقالت بصوتها الرقيق : قصة عن الجدة، تجمع الصغار حولها كالأزهار، نظرت لهم ثم قالت: قالوا لها أن زوجة ابنها رزقت بطفلة، وهي جميلة وبيضاء كالثلج، ملامحها دقيقة وعيناها سوداء وواسعة، صرخت مستغيثة، تطلب النجدة من الله، فهي تخشى خلفة البنات، وفي الحال ربطت الحبل على بطنها، وقالت: تربية بنت في البيت أصعب من تسلق جبل، في يوم شديد الحرارة، نظرت للأم وقالت: ستكون فخرًا للأسرة وأميرة، غطيها ولفيها وعلميها الستر في الحال، ولا تخرج من غرفتها إلا للزواج، نظرت الأم لطفلتها في حسرة، وقالت: السجن أمامك طفلتي، كبرت في حضن جدتها، وهي تعلمها الأكل وكيفية الشرب، تستيقظ مع جدتها لصلاة الفجر، تمسح على ظهرها بيدها، وأن لم تستجب لنداء الصلاة تضربها بعكازها على رأسها، نظر الصغير لها وقال: كيف تضربها يا تيته؟ أين والدها وأمها؟ تنظر له وهي تمسح على رأسه، تعلمها ياتيته، تكمل قصتها وتقول: العلم مفيد للبنت، فشهادتها كنزها الخفى، تحفظها القرآن، وتذاكر معها كل دروسها، مع أنها أمية لا تجيد القراءة أو الكتابة، تنظر لها حفيدتها الكبيرة متعجبة لماذا لم تجلب لها معلمة خاصة أوحتى معلم يا تيته؟ تبتسم وتقول: في عصرهم كان لابد أن تتعلم الفتيات في المنزل على يد أهاليهم، تتمتم حفيدتها ببعض العبارات الرنانة ثم تصمت، فتكمل هي رواية قصتها، تهتم بصديقاتها، وتسأل عنهن وعن أخلاقهن وأدبهن، كانت تفتش حقيبتها على غفلة، يثور حفيدها الكبير صارخًا: وأين حريتها ومساحتها الشخصية؟ هذا فعل خطأ، هذا تسلط منها، تبتسم وترد: في عصرهم كان خوفًا وحبًا لهم، تكمل قصتها وهي تقول: والويل لها أن وجدت أدوات الزينة من الروج والبرفان والكحل، كانت تضربها على وجهها بالكف وتنسى أنها طفلة، تهتم بلبسها، وتشترى طقم العيد لها فستان بأكمام، كانت كأي فتاة تريد أن ترتدي الجنز والكت، كانت تقول لها: يا جدتي، أريد أن ارتدي مثل صديقاتي، العيد في الصيف هذا العام، تشتري لها كل ما تريد، ثم تقول بصوتها الخافت: ارتديهم في غرفتك، سنصلي العيد بالفستان، ستر الجسد فرضه الرحمن، تعترض حفيدتها الوسطي يا تيته، كل الفتيات لديهم أدوات زينة وملابس على الموضة، لماذا تتدخل في لبسها، هذا تصرف خاطئ من جدتها، تنظر لهم ثم تكمل قصتها: كانت تهتم بشعرها، تسرح لها كل يوم، وهي تستدرجها في الكلام؛ لتعرف عنها أدق التفاصيل، يا حبة القلب قول لي: ماذا فعلت اليوم؟ وبما أنها تعلم عنها كل شيء، كانت تخاف من الكذب عليها، تجيبها بالصدفة قابلة محمد ابن الجيران، ماذا أراد منك؟ أراد كتابي لينقل منه الدرس، لم تشعر إلا بشعرها ملفوفًا على يد جدتها القاسية، تصرخ من شدة الألم، لماذا الضرب؟ فقد أخبرتك الحقيقة، تقول: لا تنسي العادات والتقاليد هنا، الجار لا يتحدث مع الجارة، الدين قال يا بنتي: في الأختلاط فتنة، يعترض حفيدها الكبير ماهذا ياتيته؟ هذا تخلف ورجعية؟ أنا لدي العديد من الصديقات وهن مثل اختي، ترد في عصرهم كان هناك أدب وحشمة، تكمل قصتها: كان لها قلب رقيق، عند سن البلوغ شرحت لها فقه المرأة بكل حب وتفاني، زرعت في قلبها الأخضر الخوف من الله، قبل الخوف من البشر، كانت عونًا لها في رحلة النضج، في إحدى ليالي السمر، سألتها: هل عرفتِ معنى الحب؟ أجابتها: الحب قلب ومشاعر وفارس يشبه البدر، وحصان أبيض وسيارة وقصر، ورحلة لفرنسا وشراء ملابس وذهب، ضحكت بصوت عالي، يا حبة القلب، الحب مودة ورحمة من زوج، زوج يحمل همك، يعرف أنكِ من أسرة لم تخطئ يومًا في حقك، ستختار لكَ رجلًا ذو علم وخلق، سنعطي تلك اللؤلؤة وحبة القلب لرجل يعرف مكانتها ويقدرها، كانت لها عادات غريبة وصعبة، تقول لها: أنتِ في البيت زهرة فوحي عطرًا، وأدبًا ورقة، وفي الشارع تصبحين مثل الرجل، تسألها ببراءة: كيف أصبح رجلًا وفي البيت زهرة؟ تضمها بقوة، المهم عندي أنكِ امرأة بمائة رجل، وزوجة بجمال ألف امرأة، وتروي لها قصصًا لم تفهم منها غير الطاعة، تسخر حفيدتها الكبرى، السمع والطاعة! هذا جهل وتخلف، هي سرقت منها أجمل لحظات عمرها، كيف تطيعها؟ ياتيته هذه امرأة ظالمة، تكمل قصتها وهي تشعر بغضبهم، تقول: بالصدفة رأتها الجدة، وهي ترتدي فستان بلون الورد، وحذاء بكعب، تطير كالفراشة حول أبيها، والبسمة على وجهها، تنتظر الخروج مع أمها، لتذهب معها فرح جارتها، اهتز البيت كالبركان، قالت لأمها: أين الستر والخوف من الله؟ كيف تخرج معك هكذا؟ أنتِ تفسديها، ثم صرخت في وجه ابنها، البنت مثل الوردة، تخرج هكذا فتحملق فيها العيون، العين تعشق الجمال، تريد أن تخسرها في هذا الحفل، أم تغضب الرحمن، ونظرت لها ثم قالت: اخلعي عنكِ هذا الفستان، ألبسي السواد يا حبيبتي، فالقمر لا يظهر إلا بدرًا، تصرخ حفيدتها الصغيرة: لماذا لا تعترض أمها على كلام هذه العجوز المجنونة ياتيته؟ تضحك وتقبل حفيدتها، ثم تكمل قصتها: بكيت ليلتها وهي تردد: لماذا أنا دائمًا ممنوعة من المتعة؟ ممنوعة من اللعب والخروج والفسح والملابس الجديدة، تبكي وتصرخ لماذا؟ أراد الأب أن يبرر لها تصرف جدتها، وأنها على حق، لكن دموعها مزقت قلبه، فتركها ورحل، والأم بجوارها حزينة، تبرر لها أن الجدة من أيام زمان، لا تقتنع بتطورات هذا العصر، الكل في صمت لا يجيبها، تصرخ: الجدة تكرهني لكونى فتاة؟ كانت تمر بجوار غرفتها فسمعت جملتها، فجاءت بكل هدوء وضمتها، وقالت: ياذات العيون الواسعة، أعلم أنكِ مقهورة وغاضبة، لكنكِ لا تعلمين أنكِ النور والجنة لهذه الأسرة، يا حبيبتي الذئب لا يأكل من الغنم إلا من شردت بعيدًا، نامت ليلتها وهي لا تدري، أتحبها أم تكرهها، ومرت الأيام عليها وهي تقول لها سمعًا وطاعة، وعندما كبرت وأصبحت جدة، عرفت معنى القدوة، معنى أن تربي في بيتك طفلة، تكون في المستقبل بنت وأخت وزوجة وأم وجدة، ثم نظرت لأحفادها الذين يرتدون الملابس الممزقة والجيب القصيرة، وتسريحات شعرهم الغربية، وعدم أحترامهم للكبير والصغير، ونظرات الأعتراض والتمرد المستمرة، ثم قالت ما رأيكم في القصة؟ لكنها لم تنتبه لهم حينما رحلوا وانفضوا من حولها...
عفاف علي

Comments
Post a Comment