حدث و ميلاد ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / سامي شكرجي
قصة قصيرة بعنوان:
حدث وميلاد
---------------------- انتصبت بكامل قامتها على طرفيها الخلفيين وأومأت لأمها وبشجاعة فائقة أني مستعدة لإنقاذ صديقتي الصغيرة ( سالي ) ... لم يحاصرها المطر فحسب ، بل وأغرق الحقل بأكمله . غير أن منفذا ضيِّقًا تحت سياج الحقل انتبهتْ إليه يبشر بإمكانية إنقاذها ... اقتربت منه وأطلقت مواءً تنبهها به وتشد أزرها إلى حيث مخرجها الوحيد ، إلّا أنها فوجئت بكلب متخفٍّ خلف شجرة السدر يترقبها وينتظر قدومها . تريّثتْ ، بقِيتْ مرعوبة تتأمل ما تفعله - فالقطة والكلب ( كالحية والبطنج )-*. حبكت هذه القطة الذكية خطة يُشار لها بالبنان ... لقد اختارت قططًا رشيقات يتمتعْن بشجاعة فائقة وسرعة حركة ومراوغة ، فبرغم ذكاء الكلب ودهائه ، قد تنهار قواه أمام حركة خمس قططٍ يفْتَعِلْنَ مفاجآتٍ خارج توقعه . بدأت عملية الإنقاذ بإشارة من القطة التي تصدرت الموقف بالتقدم نحو الكلب بعدَّة محاور وعلى بعدٍ آمنٍ ليحفزنه على التحرك من مكانه وإثارة عدوانيته . تقدمت أشجعهن نحوه ... ترقبَّ حركتها ، وما أن اقتربتْ له ، أطلق عواءه وطاردها ... هربتْ واحْتَمَتْ بشجرة التوت فتسلَّقتها ... في هذه الأثناء انتبهت القطة المحاصرة وتقدمت نحو المنفذ ، لكنها ترددت وعادت لعودة الكلب إلى مكانه. تحركت قطة أخرى واستشعرته ، قفز عليها ، هربتْ وتخفتْ بين الحشائش . جاءت الثالثة من حوله ، استفزَّته ، افتعلت حركة بهلوانية أثارت حفيظته ، تَلتْها الرابعة وهكذا حتى أنهكوا الكلب... لم يتمكن مسك أيٍّ منهن ، ألْهوه وأشغلوه عن هدفه ، تعب واضطر أن يأخذ قسطا من الراحة ، انزوى جانبا واستظل بشجرة السدر ، لفَّ رأسه على جسده ، غمره إعياء شديد ، أغمض عينيه وغفا. كانت القطة المحاصرة نَبِهة جدا ، رصدتْ كل تلك التحركات ثم مشيت وبكل هدوء خطوة خطوة بعد أن تأكدت أن استراحته شدَّته إلى قيلولة ، وعندما أصبحت على مقربة منه ، انطلقت بكامل طاقتها واخترقت المنفذ بنجاح وعادت لهم منهكة متوترة ... فرحوا بها ، شكرتهم على المساعدة التي قدموها لها ... في لحظة هروبها ارتطمت بفأر كان يروم عبور ساقية صغيرة ، أصابته وشلَّتْ حركته ، فزع فزعا شديداً ، لكن القطة طمأنته وقالت له : لا تخف نحن في شدة ... ربما سمعها أو التقط بعض كلامها لأنها كانت في حالة فِرار ، إلّا أنه على ما يبدو فَهِمَ قصدها. كان من جمال ذلك اليوم العسير أن اختلط الحابل بالنابل ، فالتقت محنتها بذكرى ميلادها ، اتفقوا ألّا يتجاوزوه ، وعليه فقد اجتمعن سوية تتقدمهم الأم ، تسابقوا وتدافعوا فيما بينهم لتقدمة التهاني وكانت مكللة بالزهور . نهض الكلب ولم يرَ أيّ منهن ، لف رأسه إلى الخلف ، فوجئ باختفاء القطة المحاصرة ، أحسَّ عندئذ بخطتهم واعتبرها مكيدة أخلّت بقدره. غضب وتوعد في سرِّه أن يعاقبهن أشد عقاب ويقطع عنهن الطريق . باشر وهو مُجِدٌّ في ترتيب خططه ، في هذه الأثناء استوقفته فكرة طرأت على باله وتذكر تخليص القطط لرفيقتهن ، استغرب لهذا الموقف ولذلك الوفاء وتساءل : أأقتبسوا بعضا من وفائي وأخلصوا لصديقتهم فأنقذوها ؟ تدارك الأمر ، حاصر أفكاره العدوانية وأجبر نفسه على التراجع طالما أمر مثل هذا يتعلق بالوفاء ، إذَنْ لا بد من وقفة جادَّة ، فعفا عنهم. -----------------
سامي شكرجي
العراق

Comments
Post a Comment