الفسحة ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ/ طارق الصاوي
الفسحة
استنفر الفتى حميته، جلجل صوته متوعدا من ينصب له فخاخا تعوقه عن الصعود لقمة الهرم، حك الرجل ذقنه، مال مع شدة الرياح، حدق فى تغصنات غضبه، أدهشه حدة صوته الذى يسقط جنين الحامل رغم نحافته، تغاضى عن كلمات لم يجرؤ أبن أنثى على نطقها فى حضرته، ابتلع ريقه، شحذ تفكيره بحثا عن مدخل لتطويعه، ضرب بانامله المكتب، أحدث ايقاعا رتيبا، ابتسم وهو يفتل حبلا ليضعه فى عنقه، يسحبه منه أينما شاء، غادر مقعده، حاذى جبهة الولد كما يسميه، وضع يده على كتفه، مسح بمنديله العرق الناضح على وجهه، تأبط ذراعه، سارا على البساط الأحمر، جلسا على أريكة بالصالون الذهبى، أشعل سيجارة، غرسها فى مبسمه، رن زر بجانبه، أمر بعصير ليمون، أتت السكرتيرة تحمله، سمع الرجل دقات قلبه كأنه تناول الكأس من كرز شفتيها، فرك أصابعه ابتهاجا بنضج أول ثمار خطته، عم الصمت الغرفة المغلقة، تحول الوحش إلى كائن تشى عيناه عن هيام متيم، وقف خلف قفاه، هزه بقوة من كتفه، همس فى أذنه: أنا أعمل لصالحك، أخلصك من قيادة باص يدفعه الآخرون فى الاتجاه المعاكس .
أنشرح صدر الفتى بزهو، تخيل أن السيف سقط من يد القصاب.
لم تطل سكرته بعد مغادرة المجلس، أكتشف أنه دخل فى كابوس سيزلزل حياته، منح الرجل تفويضا ليركله بعيدا عن مضمار سباق المتنافسين عند نقطة البداية، غطت سماؤه غمامة سوداء، أندفع لحرب شرسة مع اخطبوط لف حوله اذرعته حتى أخمد غضبه، قرعت خطواته السريعة أجراس انذار من إعصار يتكون، نفخ اللهب من مناخره، علا أزيز انفعاله مع اقترابه من المستهدف، استرعى رنين الهاتف انتباهه، استعرض طوفان المكالمات الفائتة، قفز قلبه من صدره وهو يطلبها، تسرب لوجدانه صهيلها الرقيق، سقت كلماتها روحه قهوة عربية بالهيل.
: صباح الزهور و زقزقة الطيور.
اجابها، صبت ضحكاتها الرنانة دشا باردا على بركانه الثائر، سدت فوهته بموعد للقاء فى نادى المؤسسة، قضم أظافره لهفة لطلة وجه يفيض بالبهجة حين يتأمله، ، صفف شعره فى عينيها الواسعة ، مسح الغبارعن حذائه، مضغ علكا معطرا للفم يزيح رائحة التبغ، صافحته بكف الندى محا برد أصابعها شعوره بالعالم، تراجعت حالة استنفار طيشه للصفر، اغرقته رائحة عطرها فى حالة من الوجد، علق انتقامه من الرجل، فتحت ملفا ورديا، أشارت بسبابتها على سطر ينتظر توقيعه، زمت شفتيها، ارتعش القلم فى يده، كتب اسمه دون مطالعة حرف فى الورقة، طوت الغلاف، سبحت عينيه صاعدة من سمانة قدميها إلى أعلى ركبتيها، خطف مظروفا بين يديها يشغلها عنه ، عانق كفها، رفعه بحنان لفمه، مسه بقبلة جريئة، ابتسمت الفتاة بغرور لعيون كاميرات تتحسس نبضاته، 'تخرج لسانها له وهو يجر حقيبتها فى صالة المطار، يصعدان للطائرة نحو منتجع سياحي، تاركا للرجل فسحة من الوقت يرسم له خلالها مستقبلا يستحقه.
طارق الصاوى خلف

Comments
Post a Comment