لم نساوم الجناة ... بقلم الكاتبة المبدعة الأستاذة/ عفاف علي

 لم نساوم الجناة 


في عينيك الكثير من الوجع، أيها الصديق الذي وهبته لي الحياة، حتي حروفك تأن من الحسرة، فلماذا لا تنسى؟.

هل تعلم أن وجعك ينغرس كسهم في نياط قلبي؟

- دمتِ بخير عزيزتي، رجاءً لا تحزني، ما يئن في صدري هو الوطن.

ذلك المكان الواسع الشاهق، والمتناثر من حوله الجثث، هل تعلمين ياعزيزتي معنى كلمة الوطن؟

-هل تمزح معي؟ نعم، بالطبع أعلم ذلك.

- صديقي الوحيد، الوطن هو تلك الأرض والبيئة التي عشت وترعرعت فيها، تلك الذكريات بحلوها ومرها، تلك الأرض والأشجار والعصافير والسماء والشوارع والطرقات.

- هههههه، لا تزال الطفولة تعيش في كلامك؛ كما تعيش في ملامحك الجميلة.

الوطن أيتها العزيزة، هو التراب الذي يغطي وجه الفلاح عندما يحرث أرضه؛ ليطعم ما تبقي منهم.

لا، بل كالجذور المتماسكة بحبات الحصى في الأرض، برغم عنف الأيادي التي تتمسك به.

هو قطرات العرق المتساقطة من العمال؛ سواء كانوا في النهر أو الأرض؛ لتروي قلوب الأطفال الخائفون من القذف والقتل.

الوطن ليست مساحة الأرض وحدودها عزيزتي، بل هو جلدك الذي يحميكِ من لهيب اللجوء والتسول.

آااه يا عزيزتي لو تعلمين ما يئن بداخلي؟.

-نعم، أنا أشعر بك ومع ذلك أطلب منك النسيان، أو أن تعود كما عاد الفارون منها، لماذا تعلو ضحكاتك؟.

- العائدون منها يا عزيزتي، هم أنفسهم من باعوا الوطن قبل رحيلهم، من هربوا وقت طعنه، من تلاشوا مع أشلائه، من صفعوه ليهربوا متحججين بأطفالهم وفزعهم.

- آه منك عزيزتي، فتحتِ بيدك جرح غائر، أصاب العقل قبل القلب.

- لا ترحل أرجوك وأخبرني: متى ستعود إليها؟ أو متى سترحل مثلهم؟.

- أنا لن أرحل من هنا، سأبقي قابع بين شقوق البيوت، وتحت أنقاض المساجد، ومع ذرات التراب، سأمكث هنا على الحدود حتى أموت.

-طلبت منك كثيرًا، أن لا تكن عنيدًا، أنزل ضيفًا علي، ستجد من الكرم ما يسرك ويجبر خاطرك، أنا أعدك أنني سأحميك وأنا مازلت علي العهد.

- دمتِ بخير وطيبة، أنا باستطاعتي أن أغتنم هذه الفرصة، وأحرص على قبول طلبك؛ وأعلم أنك ستعتنين بي؛ لكن من سيعتني بوطني! لن يعيش وطني بداخلي كمتسول، وطني أعظم من هذا.

- أذن لن ترحل من هنا يا صديقي، وستبقي واقفًا طول حياتك على الحدود.

- نعم، يا عزيزتي سأقف حتى أموت، ويخرج من صدري الوطن وهو شهيد.

- ما آراه أمامي، هو أنك شخص عنيد.

- لا، وألف لا، بل وطن عنيد يعيش بداخل جسد من حديد.

- وداعًا فقد سئمت من أحزانك وعنادك، سأبحث عن صديق سعيد.


عفاف علي

Comments

Popular posts from this blog

بسمة … بقلم الكاتب المبدع الأستاذ/ زهير دوفش سعيد

حوار الدكتورة منال الحسبان مع الأستاذ الإعلامي فيصل بن إبراهيم التميمي

وجع الأوطان ... بقلم الكاتبة المبدعة الأستاذة / وهيبة الكساسبة